الريف الصينى...أصاله بعبيرعصرى




قرن جديد وحضارة نهرين


      آلاف السنوات على مدار تاريخ طويل ، نشأت أقدم  الحضارات فى العالم "الحضارة الصينية والحضارة المصرية" ، على جانبى نهرين تنهلان منه لتبنى وتعمر؛ فمن الزراعة بنيت اوطان وازدهرت ثقافات،

ومن القرى وعلى كاهل الفلاح تطور الأنسان ؛حيث تعتبر مناطق الأرياف الصينية والمصرية مهداً للثقافة التقليدية فى البلدين على حدٍ سواء. ثقافات تشابهت فى قدمها ومصدرها واختلفت فى لغتها. فقد لعب الفلاح دورًا كبيرًا فى الحضارات القديمة ،محبًا لأرضه وفيًا لها رغم التعب والمشقة لم يتوانى فى بذل روحه من أجلها . ،وإن أمعنا النظر فى تاريخ الحضارتين ، لوجدنا تماثل فى العادات والتقاليد القديمة خطها التاريخ الإنسانى ..





     (李子柒) لى زيقى

  غالبًا أبدأ صباحى بتصفح مواقع التواصل الاجتماعى ، بذلك النوع من الفيديوهات التى تملؤنى شغفا وطاقة ايجابية افتقدها فى المحيط حولى ، نوع من خيال لا نتوقعه حولنا، إشراقة تذخر بطبيعة متجدده من عند الخالق. إنه الريف الاسيوى تحديدًا قرى الصين التى لا تزال زاخرة 

بأشجارها ونخيلها وزرعها المختلف ألوانهُ ، جنة على الارض تُهدى إلى أصحابها مع شروق الشمس .

لى زيقى فتاة سئمت حياة المدينة وضوضائها (李子柒) وذهبت إلى جدتها فى ريف ميانيانج جنوب غرب الصين ، لتجد نفسها داخل كنز لم يُكتشف بعد،

بدأت هوايتها بطهي ما يزرعونه ، وزراعة ما تحتاجه من طعام ، وتخزين كميات تكفى لحاجتها طوال العام . كل شئ حولها قامت بصناعته حتى موقدها وفراشها . وسط جو دافئ بين عائلتها ، غير منفصله عن عالمها الخارجى ؛ فكل ما تقوم به تنقله إلى العالم بكافة وسائله ؛ لنجدها الآن من أشهر المدونات على مستوى العالم .


    حين ننظر الى قصة "لى" نجدها فتاة ريفية حولت نظرتنا إلى الريف بإعتباره انعزال عن العالم وبدائية فى الحياة لسحر نتمنى البقاء داخله  كإحدى قصص الخيال .

يحضُرنى دائمًا وأنا أشاهد فيديوهات ( لى) أغنية فلكلورية قديمة تصف الحياة فى الريف المصرى ......

 " ماحلاها عيشة الفلاح ... مطمن قلبه مرتاح 

يتمرغ على أرض براح......والخيمة الزرقا ساتراه" 

فإلى أى مدى تذكرنى بحياة الريف التى نعمت بها فى صغرى ، ونفتقدها فى قريتنا اليوم . طبيعة المرأة الصينية ونمط حياتها الذى هو قاب قوسين أو أدنى من نظيرتها فى الريف المصرى قديمًا ،أثار الدهشة بداخلى.

فنجدها تستيقظ صباحا لتسعى وتكد فى عمل بيتها ومع أسرتها ، لا تتواني عن تقديم ما بوسعها لسعادة عائلتها، فدفء المنزل وطهو الطعام أبسط ما تعطيه . تدبر وتوفر وتضحى لغاية نبيلة تربت على وضعها فى المقدمة ، ألا وهى بيتها وأسرتها ، ذلك الترابط الذى لا نجده فى الغرب ومتأصلًا بداخل من يعرفون قيمة الأرض .

  (لى) ليست الوحيده فى هذا المجال ؛ غيرها الكثير من نساء ورجال ،تفننوا لعمل فيديوهات تُظهر روعة وسحر الريف الصينى .  شعرت بأنه توجه دوله يحترمه ابنائها ويقدسونه .فهذا الإبداع النابع من القلب ،والمتقن بحرفية شديدة ،لابد للدولة أن تباركة وتشجعه.وبالفعل حين بحثت وجدت الخطط التنموية للنهوض بالريف فى الصين .حيث اعتمدت على ( الانترنت +إعادة إحياء الريف+السياحة الريفية) كمسار تنموى من أجل إنشاء نموذج السياحة الريفية الجديدة .


      السياحة الريفية ..متعة بنكهة المكان


" أيها الغريب .، لابد انك تتذكر رائحة الأرض....، 

الحنين إلى الديار هو كأس الماء ....

الحنين إلى الديار هو رائحة الزهور....."

كلمات أغنية صينية تدعونا للعودة الي أرضنا ،إلى طبيعتنا المتأصلة بداخلنا.تفوقت الصين فى ان توظف هذا القطاع بما يحقق المصلحة للأرض وأصحابها.، فأخذت على عاتقها توازن المعادلة بين الفلاح وأرضه واستثمارات الدولة ، حيث أضافت الصين الى دوائرها السياحية ، جانبًا جديدًا يجذب السياح ويحفر في أعماقهم ذكرى تُبهج سريرتهم.

فأصبحت السياحة الريفية قطاعٌ قائمًا بذاته ، بإشراف من وزارة الثقافة والسياحة الصينية .وباتت هذه القرى ملاذ العديد من السياح لاستكشاف تاريخ الصين وحضارته والاسترخاء في الآن نفسه. 


 تحظى الرحلات إلى الأرياف بإقبال عظيم من قبل السياح ، حيث التمتع بالأزهار في الربيع وزراعة الأراضي وجنى الثمار في الخريف . وأصبحت تجارب حياة الفلاحين - مثل "الإقامة في أسرة الفلاح وتذوق أطعمتهم والتلذذ بها وممارسة أعمال زراعة الأرض" -  موضة حديثة في حياتنا .فلم تجلب الرحلات في الأرياف شعورا جديدا إلى السياح فحسب، بل جعلوها نوعا من الراحة وممارسة للتقاليد والثقافة الشعبية .



       ......لوحات فنية تُسمى قرى


         ييشالا

   فى ييشالا احدى قرى جنوب الصين ، أعتاد أهل القرية وضع لوح تذكارى مكتوب عليه " الارض والسماء ، الروؤساء والمعلمون " كنوع من أنواع التبجيل . كما ان أول ما يفعلوه فى صباحهم ، هو حرق البخور وهو نوع من انواع الامتنان ، فلن تنجح أو تزدهر حياتك دون ان تعرف فضل الطبيعة والأرض من حولك . شعورهم هذا تم  توحيده ليصبح عادة قومية أصيلة  . 

            وويوان

تقع بجنوب الصين، ويطلق عليها الصينيون لقب "أجمل قرية في الصين".تمتزج في هذه القرية البيئة الطبيعية والثقافة الإنسانية،وتتميز حياة سكانها بالبساطة  .

           قرية فورونغتسون

حيث التناغم بين الطبيعة والإنسان يرزق الفطرة السليمة ، فنجد اهلها يتوارثون تقاليد الزراعة والتعليم.  

كايبينغ دياولو 

شيِّدت معظم منازل القرى الدفاعية المؤلفة من عدة طبقات في كايبينغ بمقاطعة قوانغدونغ، أو ما يُعرف بـ"دياولو"، في عشرينيات وثلاثينيات القرن .

        قرية دانبا التبتية

وتتميز قرية دانبا بنمطها المعماري الفريد، حيث يوجد في أسقف المنازل الشريط الأصفر والأسود والأبيض.


شانكريلا الأخيرة

وتتميز بحقولها الخضراء وزهورها الملونة وجبالها الشاهقة وسمائها الزرقاء وجوها الصافي.وقد سميت هذه المحمية بـ"شانكريلا الأخيرة" أو "آخر قطعة من الأرض على هذا       

الكوكب الأزرق".




وغيرهم الكثير الذى لا يتسع المجال لذكرهم ، قرى من الجنان الخضراء على مد البصر ،تزينها الأنهار والشلالات والحيوانات ، هدوء الحياة مع عبقرية المنظر ، إبداع يخلب الألباب.





إن كنت من حلل الفضائل ناسجاً

....**أبرادها فانسج على منوالي 


  فى الوقت الذى ذهبت فيه الحكومات لتقليل نسب التعداد السكانى ، كأحد الحلول للنمو الإقتصادى ، فضلت الصين تحويل المحنه إلى منحة، فالحث على العمل والإنتاج والثقة فى البشر والكتلة السكانية الرهيبة فى الصين هى أهم عوامل نجاح التجربة. حيث وظفت التزايد السكاني بما يخدم خططها التنموية. هذه الأعجوبة الصينية أضحت تجربة ملهمة ، مكمن سرها هو الأيدى الصينية التى أدمنت على العمل والإنتاج ، لتعبر بها أعوامًا من التحديات . ورغم ذلك التقدم لا زالوا يرددون بكل تواضع : " لازلنا على طريق التنمية نعمل ونجتهد .." .

سوف تبقى  تلك التجربة مبعث الأمل فى تحقيق النمو والتقدم الذى نطمح إليه فى كل المجالات،وبخاصة فى قطاع الريف المصرى . يساعدنا دفء المناخ ودلتا نهر النيل حيث الأراضي الخضراء الشاسعة، إلى جانب الشخصية المصرية المتعطشة للنهوض بالاقتصاد الوطني ، وبخاصة فى المجال الزراعى  والسياحة الريفية . فلا تزال الكثير من القرى المصرية تحتفظ بعاداتها القديمة وتعيش بالطرق التقليدية،وهو ما يبتغيه الباحث عن تجربة فريدة لمعايشة التاريخ الريفى فى مصر.







   هذا هو النسج الذى نبتغيه حُلة لنا ، والمنوال الذى على أثره ننهج . ففى الريف سحر يفتن زائريه ، ونقاء يقدره سكان المدينة ، وبساطة تقهر حياة التكلف . فكم أتمنى محاكاة النموذج الصيني فى الريف المصرى،ليجد ضيوفنا تنوع ثقافي يتناسب مع كافة الأذواق ، حيث الآثار والمتاحف، الشواطئ والمحميات والسياحة الريفية والعلاجية ،،،،.تنوع قل أن يوجد إلا في بلاد تضم أعظم حضارتين - مصر والصين.

تعليقات